عسير- خمس تجارب ثقافية أصيلة تثري تراث السعودية

تعتبر منطقة عسير وجهة ثقافية سعودية مرموقة، وذلك لما تكتنزه من كنوز تراثية وتاريخية فريدة، تجسد جوهر الهوية الوطنية بتنوعها الثري. هذه المقومات تمنح الزائرين تجارب استثنائية، بدءًا من استكشاف القرى الجبلية العتيقة وصولًا إلى الانغماس في الأسواق الشعبية المفعمة بالحيوية والنشاط.
وفي هذا السياق، تتألق خمس تجارب ثقافية بارزة، تجسد دعائم أساسية في المشهد الثقافي لعسير، وتتيح للزوار فرصة سانحة للتعمق في فهم الإرث الحضاري والإنساني العريق لهذه المنطقة.
قرية رجال ألمع
تتبوأ قرية رجال ألمع مكانة رفيعة كأحد أبرز المعالم الثقافية في منطقة عسير، حيث يعود تاريخ إنشائها إلى ما يقارب 700 عام مضت. تحتضن القرية أكثر من 60 مبنى حجريًا شاهقًا، تتألف من عدة طوابق، مما جعلها تحظى بتقدير عالمي، حيث اختارتها منظمة السياحة العالمية كواحدة من أفضل القرى السياحية على مستوى العالم في عام 2021. علاوة على ذلك، تم إدراجها في القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو. حافظت القرية على مر العصور على أهميتها التاريخية، حيث كانت بمثابة مركز تجاري حيوي يربط بين جنوب الجزيرة العربية، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبلاد الشام، مما أكسبها مكانة مرموقة في المنطقة.
كما شهدت القرية انتصارًا مجيدًا للقبائل العسيرية على الجيش العثماني في عام 1825، مما يضفي عليها بعدًا تاريخيًا وبطوليًا. تفتح القرية أبوابها لاستقبال الزوار يوميًا من الساعة 09:00 صباحًا وحتى الساعة 06:00 مساءً، مع تحديد رسوم دخول رمزية تتراوح بين 15 إلى 20 ريالًا سعوديًا.
القط العسيري
يشكل فن القط العسيري جزءًا لا يتجزأ من الفنون التقليدية السعودية التي حظيت باعتراف دولي واسع النطاق. وقد قامت منظمة اليونسكو بإدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في عام 2017، تقديرًا لأهميته وقيمته الفنية. يتميز هذا الفن النسائي العريق بألوانه الزاهية والمتألقة، ونقوشه الهندسية المتقنة التي تزين جدران المنازل، حيث يتم استخدام مواد طبيعية خالصة في إبداعه، مثل الجبس، والفحم، والنباتات. يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة هذا الفن الرفيع في متحف فاطمة لتراث المرأة العسيرية، وقرية رجال ألمع، وقرية المفتاحة، حيث يواصل الفنانون المحليون جهودهم الدؤوبة للحفاظ عليه وتطويره ونقله للأجيال القادمة.
مزرعة الليوان
تمنح مزرعة الليوان، التي تقع على مقربة من مدينة أبها، زوارها تجربة ثقافية ريفية أصيلة، وذلك من خلال منزل طيني تراثي تم ترميمه بعناية فائقة. يضم الموقع متحفًا صغيرًا يعرض مجموعة من القطع التراثية النادرة، ومجلسًا تقليديًا يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى مكتبة متخصصة في تاريخ المنطقة وثقافتها، ومطعمًا يقدم أشهى الأطباق المحلية الطازجة المنتجة داخل المزرعة، مما يمنح الزائر تجربة متكاملة تجمع بين كرم الضيافة العسيرية العريقة والتاريخ الغني للمنطقة.
سوق الثلاثاء
يعتبر سوق الثلاثاء من أقدم الأسواق الشعبية التقليدية في منطقة عسير، حيث يقام على مدار أيام الأسبوع بالكامل على الرغم من ارتباط اسمه الوثيق بيوم الثلاثاء. يوفر السوق تشكيلة واسعة من المنتجات المحلية الأصيلة، بما في ذلك العسل الجبلي بأنواعه المختلفة، والحرف اليدوية المتقنة، والمنسوجات التقليدية المزخرفة، والمجوهرات الفضية الأنيقة، ويعكس في مجمله نمط الحياة العسيري الأصيل والعادات والتقاليد الاجتماعية والاقتصادية العريقة للمنطقة.
قرية المفتاحة
تتربع قرية المفتاحة في قلب مدينة أبها، وقد تحولت بمرور الوقت إلى مركز ثقافي نابض بالحياة يجمع بين التراث الشعبي والفن المعاصر بأبهى صوره. تحتضن القرية متحفًا أثريًا يعرض كنوزًا تاريخية فريدة، وجداريات فنية تزين جدرانها، ومعارض دائمة ومؤقتة تستضيف أعمال فنية متنوعة، بالإضافة إلى ورش عمل مبتكرة يتم فيها عرض أعمال الفنانين المحليين المبدعين، مما يجعلها بيئة تفاعلية حيوية تربط بين الماضي العريق والحاضر المزدهر.
مواسم الزيارة المثلى
تتيح منطقة عسير لزوارها فرصة الاستمتاع بتجارب ثقافية متنوعة على مدار العام، إلا أن فصل الصيف الذي يمتد من شهر يونيو إلى شهر أغسطس يعتبر الفترة الأنسب لزيارة المواقع المفتوحة والاستمتاع بالأجواء المعتدلة المنعشة والمشاركة في الفعاليات الثقافية المتنوعة التي تقام في المنطقة. بينما يمثل فصل الشتاء الذي يمتد من شهر ديسمبر إلى شهر فبراير فرصة مثالية لزيارة المتاحف والمعالم الثقافية الداخلية في أجواء أكثر هدوءًا وسكينة.
وتجسد هذه التجارب المتنوعة والثرية مكانة عسير كإحدى أبرز المناطق الحاضنة للموروث الثقافي السعودي الأصيل، وذلك من خلال فنونها العريقة المعترف بها دوليًا، والقرى التراثية الحية التي تنبض بالحياة، والأسواق الشعبية المفعمة بالنشاط والحيوية، مما يعكس التزام المملكة العربية السعودية الراسخ بالحفاظ على تراثها الثقافي ونقله إلى الأجيال القادمة، وذلك ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030 الطموحة.